خطبة الجمعة القادمة 2 يناير : قيمةُ الوقتِ فى حياةِ الإنسانِ ، للدكتور محروس حفظي

خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 2 يناير 2026م بعنوان : قيمةُ الوقتِ فى حياةِ الإنسانِ ، للدكتور محروس حفظي بتاريخ 13 رجب 1447هـ الموافق 2 يناير 2026م
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 2 يناير 2026م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : قيمةُ الوقتِ فى حياةِ الإنسانِ.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 2 يناير 2026م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : قيمةُ الوقتِ فى حياةِ الإنسانِ بالطفولةِ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 2 يناير 2026م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : قيمةُ الوقتِ فى حياةِ الإنسانِ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
عناصر خطبة الجمعة القادمة 2 يناير 2026م. بعنوان: قيمةُ الوقتِ فى حياةِ الإنسانِ، للدكتور محروس حفظي :
(1) قيمة الوقت في التراث الإسلامي.
(2) منهجية السبق في “إدارة الوقت”.
(3) خطوات عملية في “إدارة الوقت”.
(4) وقفة في محاسبة النفس مع بدء عام جديد.
(5) ظاهرة الغش في الامتحانات.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 2 يناير 2026م بعنوان: قيمةُ الوقتِ فى حياةِ الإنسانِ ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
خطبة بعنوان: «قيمة الوقت في حياة الإنسان»
بتاريخ 13 رجب 1447 هـ= الموافق 2 يناير 2026 م
الحمد لله حمداً يوافي نعمه، ويكافىء مزيده، لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك، ولعظيم سلطانك، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أما بعد ،،،
(1) قيمة الوقت في التراث الإسلامي: أولى القرآن الكريم الوقت أهمية كبيرة، فأقسم به، وسمى بعض السور ببعض الأزمان، وهي ست سور: «الجمعة، الفجر، الليل، الضحى، القدر، العصر»، وما هذا إلا برهان ساطع على ضرورة استغلال الوقت، وقد ختمت تلك السور ب «العصر» حيث أقسم الله فيها على أن الإنسان في خسران إن لم يعمر وقته بالعمل الصالح، وبما ينفع ويثمر فقال:{إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خَسِرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر: 2]، {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد: 17].
– وقد اعتبر “العلماء” أن من “العقوق” إضاعة الوقت”، ففي منشور الحكم: (من الفراغ تكون الصَّبْوة، ومن أمضى يومه في حق قضاه، أو فرض أداه، أو مجد أثله، أو حمد حصَّله، أو خير أسَّسه، أو علم اقتبسه، فقد عق يومه، وظلم نفسه) أ.ه. (فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي، 4/288).
– ما أوقد الغيرة على الوقت لدى السلف الصالح؟!.كان الخليل بن أحمد الفراهيدي يَقُولُ: “أَثْقَلُ سَاعَاتٍ عَلَيَّ سَاعَة آكل فِيهَا” (الحث على طلب العلم لأبي هلال العسكري، ص 87).
وكان الْحَسَن الْبَصْرِي يَقُولُ: «أَدْرَكْتُ أَقْوامًا كَانُوا عَلَى أَوْقَاتِهِمْ أَشَدَّ حِرْصًا مِنْكُمْ عَلَى دَرَاهِمِكُمْ وَدَنَانِيرِكُمْ، يا ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك» (قيمة الزمن عند العلماء لعبد الفتاح أبو غدة).
في موقفين عظيمين سيعرف العبد فيهما “قيمة الوقت”، وسيندم على ما فرط فيه:
الأول: ساعة الاحتضار: {فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ* وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} [المنافقون: 10: 11].
الثاني: يوم القيامة: {أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الزمر: 58].
– اغتنام وقت الفراغ فيما يفيد قبل الانشغال: العبرة في “استغلال الوقت” بما يعود بالنفع على الفرد والمجتمع، قال ابن عطاء الإسكندري: “رُبَّ عمر اتسعت آماده، وقلت أمداده، وربَّ عمر قليلة آماده، كثيرة أمداده) أ.ه. (الحكم العطائية، ص 74).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تُنْظَرُونَ إِلَّا إِلَى فَقْرٍ مُنْسٍ، أَوْ غِنًى مُطْغٍ، أَوْ مَرَضٍ مُفْسِدٍ، أَوْ هَرَمٍ مُفَنِّدٍ، أَوْ مَوْتٍ مُجْهِزٍ، أَوِ الدَّجَّالِ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةِ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ» (رواه الترمذي).
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ” (رواه البخاري).
قال الإمام الطيبي: (ضرب النبي صلى الله عليه وسلم للمكلف مثلاً بالتاجر الذي له رأس مال، فهو يبتغي الربح مع سلامة رأس المال، فطريقه في ذلك أن يتحرى فيمن يعامله، ويلزم الصدق والحذق؛ لئلا يغبنح فالصحة والفراغ رأس المال، وينبغي له أن يعامل الله بالإيمان ومجاهدة النفس؛ ليربح خيري الدنيا والآخرة، وقريب منه قول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الصف: 10]، وعليه أن يجتنب مطاوعة النفس، ومعاملة الشيطان؛ لئلا يضيع رأس ماله مع الربح) أ.ه. (فتح الباري شرح صحيح البخاري، 11/230).
(2) منهجية السبق في “إدارة الوقت”: وضع القرآن الكريم منهجاً فريداً في “إدارة الوقت”، فجعله يقوم على أمرين: “المسارعة، والسرعة”، فالأول: يعني: الإنجاز المبكر للعمل قبل فوات الأوان، والثاني: يعني: الإنجاز السريع له، وكأن الدنيا حلبة سباق {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [الحديد: 21].
ولم ترد لفظة “السباق” بصيغة الأمر إلا في موضع واحد من القرآن الكريم، وهي توحد كل التوجهات والمنطلقات؛ لتكون الوجهة لله رب العالمين، وتشير اللفظة أيضاً إلى التركيز على عنصر “الوقت”؛ ليكون نصب عين المتسابق، فلا يهدره إلا فيما يرضي ربه – سبحانه- قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].
وقد حدد القرآن الكريم مجالات “السبق” {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا} [البقرة: 148]، و”الخيرات”: اسم جنس يجمع يعم مجالات النفع المختلفة، وهي العامل المشترك الذي يلتقي عليه الناس جميعاً، وفي هذا لفتة أن يكون “السبق” وسيلة لعون الخلق كلهم على اختلاف مستوياتهم، وتعدد أجناسهم، وكلما حقق منفعة أدوم وأعم كان أعظم بحيث يبقى خالداً؛ فعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ» (رواه مسلم).
ولله أحمد شوقي حيث قال:
دقات قلب المرء قائلة له … إن الحياة دقائق وثواني
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها … فالذكر للإنسان عمر ثاني
– كان النبي– صلى الله عليه وسلم- يحث على المبادرة بالأعمال الصالحة خوفاً من تغير الأحوال، وإقبال الأهوال؛ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ: “اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابك قَبْلَ هَرِمِكَ، وَصِحَّتكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِناكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وحَيَاتكَ قَبْلَ مَوْتِكَ” (رواه النسائي في “السنن الكبرى”).
(3) خطوات عملية في “إدارة الوقت”:
أولاً: تخير الأوقات المباركات؛ لإنجاز المهمات العظام: “العمل ينزل منزلته من الوقت الملائم له، فمن الأعمال ما يصلح له كل وقت وذهن، لخفته، ويسر القيام به، فلا يحتاج إلى ذهن صاف، وتفكير عميق، ومن الأعمال ما لا يكتمل حصوله على وجهه الأتم إلا في الوقات التي تصفو فيها الأذهان، وتنشط فيها القرائح والأفهام، وتكثر فيها البركات والنفحات كساعات الأسحار، والفجر، والصباح، وساعات هدأة الليل، والفراغ التام، والسكون الكامل للمكان”. (قيمة الزمن عند العلماء لعبد الفتاح أبو غدة).
وقد أرشدنا – صلى الله عليه وسلم- أن نغتنم “ساعة البكور”؛ فعَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ، قَالَ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا»، قَالَ: وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً، أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، قَالَ: وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلًا تَاجِرًا، فَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ» (رواه ابن ماجه).
قال ابن بطال: (وإنما خص- صلى الله عليه وسلم- “البكور” بالدعاء بالبركة فيه من بين سائر الأوقات؛ لأنه وقت يقصده الناس بابتداء أعمالهم، وهو وقت نشاط، وقيام من دعة، فخصه بالدعاء؛ لينال بركة دعوته جميع أمته) أ.ه. (شرح صحيح البخارى).
بهذا تطيب الحياة، وتنشط النفس طوال اليوم، خلافاً لمن تمضي عليه تلك الأوقات نائماً غافلاً؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ» (متفق عليه).
ثانياً: القراءة في حياة السابقين من العلماء الراسخين، والأولياء والصالحين: قال أَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ: “حفظتُ القُرْآنَ وَأَنَا ابْنُ سَبْعٍ، وَمَا مِنْ علمٍ إِلاَّ وَقَدْ نَظرتُ فِيْهِ، وَحصَّلْتُ مِنْهُ الكُلَّ أَوِ البَعْضَ، إِلاَّ هَذَا النَّحْوَ، فَإِنِّي قَلِيْلُ البِضَاعَةِ فِيْهِ، وَمَا أَعْلَمُ أَنِّي ضَيَّعْتُ سَاعَةً مِنْ عُمُرِي فِي لَهْوٍ أَوْ لَعِبٍ”. (سير أعلام النبلاء، 20/26).
ثالثاً: تحديد الغاية والهدف، وفهم حقيقة الوجود، وأصلح ما بقي من وقتك: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، قال معاذ بن جبل: “وأنا أنام أول الليل وأقوم آخره، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي”. (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي).
قال الفضيل ابن عياض لرجل: “كم أتَت عليك قال ستُّون سنة، قال: فأنت منذ ستين سنة، تسيرُ إلى ربِّك توشك أن تبلغ، فقال الرَّجل: يا أبا علي، إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، قال له الفضيل: تعلمُ ما تقول فقال الرجل: قلت: “إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون”، قال الفضيل: تعلَمُ ما تفسيرُه؟ قال الرَّجل: فسِّره لنا يا أبا علي، قال: مَن عَلِمَ أنَّه عبد الله وأنَّه إليه راجع، فليعلَم بأنَّه موقوفٌ، ومَن عَلم بأنَّه موقوفٌ، فليعلم بأنَّه مسئولٌ، ومَن علم أنَّه مسؤولٌ، فليُعِدَّ للسؤال جواباً، فقال الرجل: فما الحيلة قال: يسيرة، قال: ما هي قال: تُحسنُ فيما بقيَ، يُغفَر لك ما مضى، فإنَّك إن أسأتَ فيما بقي أُخِذتَ بما مضى وما بقي” (حلية الأولياء (8/113) .
رابعاً: وضع خطة أو برنامج للأعمال الصالحة كل يوم، كل أسبوع، كل عام: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟»، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟»، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟»، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ» (رواه مسلم).
خامساً: ترتيب الأولويات، ومحاسبة النفس على التقصير قبل الندم {يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا} [الأنعام: 31]، {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر: 56].
عن أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ، قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ»، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ» (رواه الترمذي والنسائي). قال عمر بن عبد العزيز: “الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل أنت فيهما”. أ.ه.
سادساً: الحرص على الصحبة الصالحة الجادة في الحياة: {لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} [الفرقان: 28: 29]، {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67].
– شغل النفس بما يعود عليها بالنفع آجلاً أو عاجلاً؛ فإنك لم تشغلها بالحق، شغلتك عن الحق؛ فعَنْ أَنَسِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا» (الأدب المفرد)، فليس هناك حث على إعمار الأوقات أعظم من ذلك؛ فالمسلم كالنبع الفيَّاض لا ينضب حتى إنه ينفع إلى آخر رمق من حياته، يقول الإمام المناوي: «والحاصل أنه مبالغة في الحث على غرس الأشجار، وحفر الأنهار؛ لتبقى هذه الدار عامرة إلى آخر أمدها المحدود المعدود المعلوم عند خالقها، فكما غرس لك غيرك، فانتفعت به، فاغرس لمن يجيء بعدك؛ لينتفع وإن لم يبق من الدنيا إلا صبابة، وذلك بهذا القصد لا ينافي الزهد، والتقلل من الدنيا» (فيض القدير) أ.ه.
سابعاً: إدراك أن الوقت يمر كالبرق الخاطف، وأن الزمن لن يتوقف عند تعثرك أو حزنك أو فشلك، فما أسرع الأيام والليالي؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، فَتَكُونُ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَتَكُونُ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَيَكُونُ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونُ السَّاعَةُ كَالضَّرَمَةِ بِالنَّارِ» (رواه الترمذي).
عَنْ مُجَاهِدٍ بن جبر، قَالَ: قَالَ لِيَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ: “يَا أَبَا الْغَازِي، كَمْ لَبِثَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْمِهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا، قَالَ:«فَإِنَّ النَّاسَ لَمْ يَزْدَادُوا فِي أَعْمَارِهِمْ وَأَجْسَامِهِمْ وَأَحْلَامِهِمْ إِلَّا نَقْصًا» (حلية الأولياء للأصفهاني).
ثامناً: تنويع ما يستغل به الوقت؛ لأن النفس تسأم وتمل بسرعة: فينبغي تقسيم الوقت ما بين الجد والعمل، والترويح عن النفس كي يدفعك لمزيد من الأعمال الصالحة؛ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الأَيَّامِ، كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا» (رواه البخاري).
وعن حنظلة قال رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً، وَلَوْ كَانَتْ تَكُونُ قُلُوبُكُمْ كَمَا تَكُونُ عِنْدَ الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُسَلِّمَ عَلَيْكُمْ فِي الطُّرُقِ» (رواه مسلم).
تاسعاً: استعن بالله ولا تعجز، مهما بلغت العقبات، عليك بالمثابرة والمعافرة، والثبات في الأمر، واشغل نفسحك بما يعود عليها بالنفع آجلاً أو عاجلاً؛ فإنك لم تشغلها بالحق، شغلتك عن الحق؛ فعَنْ أَنَسِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا» (الأدب المفرد)، فليس هناك حث على إعمار الأوقات أعظم من ذلك؛ فالمسلم كالنبع الفيَّاض لا ينضب حتى إنه ينفع إلى آخر رمق من حياته، يقول الإمام المناوي: «والحاصل أنه مبالغة في الحث على غرس الأشجار، وحفر الأنهار؛ لتبقى هذه الدار عامرة إلى آخر أمدها المحدود المعدود المعلوم عند خالقها، فكما غرس لك غيرك، فانتفعت به، فاغرس لمن يجيء بعدك؛ لينتفع وإن لم يبق من الدنيا إلا صبابة، وذلك بهذا القصد لا ينافي الزهد، والتقلل من الدنيا» (فيض القدير) أ.ه.
عاشراً: ترتيب الوقت: المرء الذي ينظم وقته، ويحدد هدفه، ويرتب أولوياته، يصبح أكثر إنجازاً من غيره، وأقرب إلى التوفيق والسداد؛ لأنه أخذ بالأسباب، وعندما تنظر في تاريخ السابقين تجد أنهم قد حرصوا على “ترتيب الأوقات”؛ فكانوا يسابقون الساعات، ويبادرون اللحظات، ضناً منهم بالوقت، وحرصاً على أن لا يذهب منهم هدراً؛ فعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَابِطٍ، قَالَ: “لَمَّا حَضَرَ أَبَا بَكْرٍ الْمَوْتُ، دَعَا عُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فَقَالَ لَهُ: “اتَّقِ اللهَ يَا عُمَرُ، وَاعْلَمْ أَنَّ لِلَّهِ عَمَلًا بِالنَّهَارِ لَا يَقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ، وَعَمَلًا بِاللَّيْلِ لَا يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ، وَأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ نَافِلَةً حَتَّى تُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ” (حلية الأولياء للأصبهاني).
(4) وقفة في محاسبة النفس مع بدء عام جديد: إن الواحد منا يحتاج بصفة دورية إلى محاسبة نفسه، ومراجعة حساباته؛ ليعلم أن كل نَفَس من أنفاس حياته جوهرة نفيسة يمكن أن يشتري بها نجاته في الآخرة؛ ولذا قال سيدنا عُمَر: «حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا؛ فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَدًا أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ﴾» (محاسبة النفس لابن أبي الدنيا)، فالذي ضيع مرحلة معينة من شبابه فيما لا طائع منه عليه أن يستدرك ما بقي من زمانه قبل أن يطويه الموت، فيندم على ما فرط في حق الله، وحق نفسه وأهله «ولات ساعة مندم»، وبقي وقت العرض والحساب، وليتفكر حين يقف الإنسان أمام ربه فيسأله عن عمره، كيف قضاه؟ وفيم استغله؟ وبأي شيء ملأه ؟ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:«لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ» (الترمذي وحسنه) .
لا شك أن محاسبة العبد لنفسه تُعرِّفه بنعم ربه– عز وجل- عليه فيشكرها، ويستخدمها فيما يرضيه، ويحذر أسباب زوالها قال ربنا: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ﴾، وهذا أدعى أن يتزود الإنسان في دنياه بما ينفعه في آخرته، وقد نبَّه ربنا عباده إلى النظر بعين البصيرة لما بعد الموت، وأن ما يقدمونه سيجدونه عنده في الآخرة فقال:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ» (الحاكم وصححه ووافقه الذهبي)، وقد عد ربنا – عز وجل- محاسبة النفس من صفات عباده المتقين فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾.
ولينظر كل واحد منا ماذا قدم لوطنه، وأعز ما يقدمه له العمل الجاد المثمر، والتضحية من أجل تحقيق نهضته وازدهاره كي يصل من خلاله إلى أعلى درجات الجودة، وأرقى متطلبات الإنتاج، وأفضل حالات الشفافية ولن يتحقق ذلك إلا برجال مخلصين قال ربنا: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، فعلينا جميعاً مواصلة الليل والنهار، وأن نتحمل المسؤلية كل في تخصصه من أجل أن نرتقي ببلدنا؛ لتكون أفضل البلاد، فالشعارات الرنانة، والعبارات الفضفاضة الجوفاء لن تُبنى بها الأمم، وتَرقى بها الشعوب، لكن بالعمل والبناء، وبذل الغالي والنفيس تظل رايته عالية خفاقة.
(5) ظاهرة الغش في الامتحانات:
أولاً: حرمة الغش بجميع صوره، وأشكاله: جاء الإسلام بالأصول العظيمة التي تقي المجتمع من المضار والأخطار، ومن ذلك: “تحريم الغش بكافة صوره”، فهو خُلُقٌ ذميمٌ، وجريمةٌ منكَرةٌ؛ لأن فيه تضييع للحقوق، وضياع للأمانة، وقلب للحقائق؛ ولذا عُد من صفات غير أهل الإيمان؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» [رواه مسلم].
قال محمد بن إسماعيل الصنعاني: (“مَنْ غَشَّ”: خدع في أي أمر من الأمور الدينية أو الدنيوية لأي عبد مؤمن أو كافر؛ ولذا أطلقه، ولم يقل “غشنا” كغيره. “فليس مني”: تكرر مثل هذا اللفظ، والمراد الإخبار أن الغاش ليس من أهل صفة الإيمان، فإن صفتهم التناصح في الدين، قال الطيبي: لم يرد نفيه عن الإِسلام بل نفى خلقه عن أخلاق المسلمين). أ.ه. [التَّنويرُ شَرْحُ الجَامِع الصَّغِيرِ، 10/325].
ومفهوم الغش واسع، فهو ليس مقصور على البيع والشراء فحسب، بل هو أعم وأشمل من ذلك، وفي هذا يقول أ.د/ موسى شاهين لاشين: (وليس الغش قاصراً على البيع والشراء، فإنه كذلك يكون في الزواج…، كما يكون في الامتحان بإبراز الجاهل في صورة العالم أمام المصححين وبإبراز المفلسين والمهملين في صورة الأذكياء المجدين.
كما يكون في الوظائف العامة، والأعمال الخاصة، وفي كل المعاملات بإخفاء القبح، وإبراز الحسن غير الحقيقي على سبيل التغرير والخداع، وإنما قرن الغش بالبيع والشراء؛ لأنه أكثر ما يكون فيه). أ.ه. [فتح المنعم شرح صحيح مسلم، 1/332].
ثانياً: “الغش في الامتحانات” من أعظم الجرائم على الإطلاق: المعصية المتعدية أعظم عقوبة وخطراً من المعصية القاصرة، والغش في الامتحانات يتعدَّي ضرره للغير حيث يُضعِّف مستوى التعليم، وتفقد الشهادات مصداقيتها، ويخرج للمجتمع جهلة يحملون شهادة زور، ومن ثم يؤثر سلباً على أداء الخريجين مستقبلاً في كافة مجالات الحياة؛ بل ينافسون الفضلاء المجدين، الذين أسهروا ليلهم، وقطعوا أيامهم في طلب العلم مما يضيع فرصهم، وبالتالي تتعطل مصالح الأوطان.
إن “الغش في الامتحان” فيه إلحاق للأذى بالبشرية قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58].
يقول العلامة محمد بن علان البكري: (ومن أشد الإِيذاء: “الغش”؛ لِمَا فيه من تزيين غير المصلحة، والخديعة لِمَا فيها من إيصال الشر إليه من غير علمه). أ.ه. [دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين، 8/ 422].
ثالثاً: من يساعد الغاش هما في الوِزر سواء: إن هذا الفعل الدنيء يدل على خبث النفس، وظلمة القلب، وقلة الدين والمروءة بل صفة من صفات المنافقين الذين يعثون في الأرض فساداً؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» [متفق عليه].
وعَنْ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ». [رواه البيهقي في “السنن الكبرى”].
وكذا من يُعين على الغش، أو يتجاهل القيام بمسئولية منعه أو الإبلاغ عنه، هو والغاش في الإثم سواء؛ لأنه مقصر فيما نيط به من عملٍ، وفعله هذا من باب التعاون على الإثم والعدوان المنهي عنه {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، وخائن للأمانة التي ائتمنه الله عليها قال تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} [البقرة: 283]، وقال أيضاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27].
وما من خائنٍ إلا تمثل له خيانته وغدرته لواء يعقد على خلف ظهره ثم يُرمى بخيانته في النار- عياذ بالله-؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرِهِ، أَلَا وَلَا غَادِرَ أَعْظَمُ غَدْرًا مِنْ أَمِيرِ عَامَّةٍ» [رواه مسلم].
قال الإمام النووي: (فيه بيان غليظ تحريم الغدر لا سيما صاحب الولاية العامة؛ لأن غدره يتعدى ضرره إلى خلق كثير.
وقيل: لأنه غير مضطر إلى الغدر؛ لقدرته على الوفاء، والمشهور أن هذا الحديث وارد في ذم الغادر، وغدره للأمانة التي قلدها لرعيته، والتزام القيام بها، والمحافظة عليها، فمتى خانهم، أو ترك الشفقة عليهم، والرفق بهم فقد غدر بعهده). أ.ه. [شرح النووي على مسلم، 12/44].
رابعاً: الغاش في الامتحان يعاقبه الله بضد قصده: الإسلام يربي الإنسان على الوضوح والصفاء، والجد والتعب، والصدق، ولا يربيه على البطالة والكسل، والاعتماد على الغير في السعي، والأخذ بالأسباب ، بينما الذي يغش في الامتحان يود النجاح والتفوق، والوصل إلى القِمة على حساب الآخرين، فهو لم يطلب العلم ابتغاء وجه الله؛ ولذا كان جزاؤه من جنس عمله، فهو محروم التوفيق، والمدد والعون، ويُبتلى بمحق البركة في حياته، بل ما يتحصَّل عليه من وظيفة أو مال يعد آكلاً للحرام فضلاً عما ينتظره في الآخرة؛ فعن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ طَلَبَ العِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ العُلَمَاءَ أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ» [رواه االترمذي، وابن ماجه].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» يَعْنِي رِيحَهَا.[رواه أبو داود، وأحمد].
قال ابن حجر الهيتمي: (وَالْأَحَادِيثُ فِي الْغِشِّ وَالتَّحْذِيرِ مِنْهُ كَثِيرَةٌ مَرَّ مِنْهَا جُمْلَةٌ، فَمَنْ تَأَمَّلَهَا وَوَفَّقَهُ اللَّهُ لِفَهْمِهَا، وَالْعَمَلِ بِهَا انْكَفَّ عَنْ الْغِشِّ، وَعَلِمَ عَظِيمَ قُبْحِهِ، وَخَطَرِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَمْحَقَ مَا حَصَّلَهُ الْغَاشُونَ بِغِشِّهِمْ، كَمَا سَبَقَ فِي قِصَّةِ الْقِرْدِ وَالثَّعْلَبِ أَنَّ اللَّهَ سَلَّطَهُمَا عَلَى غَشَّاشَيْنِ فَأَذْهَبَا جَمِيعَ مَا حَصَّلَاهُ بِالْغِشِّ بِرَمْيِهِ فِي الْبَحْرِ). [الزواجر عن اقتراف الكبائر].
نسأل الله أن يرزقنا حسن العمل، وفضل القبول، إنه أكرم مسؤول، وأعظم مأمول، وأن يجعل بلدنا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمناً أماناً، سلماً سلاماً وسائر بلاد العالمين، ووفق ولاة أُمورنا لما فيه نفع البلاد والعباد .
أعده: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان
د / محروس رمضان حفظي عبد العال
مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط
_____________________________________
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف







